من يتحمل المسؤولية عن العطل المعلوماتي العالمي؟

من يتحمل المسؤولية عن العطل المعلوماتي العالمي؟

تمثلت الصدمة في مدى عجزنا على مواجهة الأمر، ففي تلك الصبيحة تُرك ملايين الناس محدقين في شاشات الكمبيوتر الزرقاء التي حملت وجهاً تعبيرياً حزيناً مع رسالة "لقد وقع جهازك في مشكلة ويحتاج إلى إعادة تشغيل، نحن بدأنا في العمل على جمع معلومات عن الخطأ وبعدها سنعيد تشغيله لك".

لم تكن "شاشة الموت الزرقاء" انتقائية، واجتاحت الفوضى محال السوبرماركت والبنوك والمستشفيات ومصالح عدة أخرى ومنظمات وأفراد في أنحاء العالم الغني والفقير، على حد واحد وسواء، وعلى مدى ساعات توقف العالم بشكل أو آخر، مع معاناة مستخدمي نظام "ويندوز 10"، الذي تصنعه "مايكروسوفت"، انقطاعاً معلوماتياً.

وكما يبدو نجم ذلك عن خلل في تحديث أصدرته "كراودسترايك" CrowdStrike التي وللمفارقة الساخرة هي شركة للأمن السيبراني، واستلزم الأمر بعض الوقت، لكن الشركة أوردت أنه إذا لجأ المستخدمون إلى حذف ذلك التحديث وأعادوا تشغيل حواسيبهم فستعود الأمور لطبيعتها.

وبدا ذلك سهلاً لكنه تطلب وجود أشخاص ذوي صلاحيات كي يطفئوا ويعيدوا تشغيل كل كمبيوتر على حدة، وبقول آخر لقد شكل ذلك عملية بطيئة ومجهدة.

وعلى رغم من استعاد الكوكب قوته وعاود سيره العادي، وبالفعل بدأ تبادل إلقاء المسؤولية، إذ شهدت بعض الأعمال خسائر وتأثرت مواعيد المرضى وأوقفت رحلات نقل جوي، وقائمة المتأثرين ضخمة.

وفي توقع لمسار الأمور خسرت أسهم "كراودسترايك" بين ليلة وضحاها 16 مليار دولار، وحينما سيدرس المحامون الأمور بتفاصيلها، قد تغدو الخسارة أكبر بكثير.

ولكن في ظل الغضب وافتعاله ثمة سؤال يتطلب إجابة ملحة: كيف لخلل في برمجية تحديث برنامج أمن معلوماتي أن تُحدث ذلك التأثير كله؟

بالطبع لقد عايشنا أوضاعاً مماثلة في أوقات سابقة، ولنبدأ من عام 1997 حينما حدث انقطاع في خادم لأسماء النطاق Domain Name [التي تتعرّف على حاسوب معين مع موقعه على الشبكة] فتأثر 50 مليون مستخدم للإنترنت وتصدرت الحادثة عناوين الصحف، وتلا ذلك تضرر كوابل بحرية فحدث اضطراب واسع وتباطؤ في الإنترنت شمل الشرق الأوسط والهند، وحينما توفي مايكل جاكسون عام 2009 حاولت أرتال من محبيه التعرف بدقة على سبب موته في وقت واحد، مما تسبب في تباطؤ شديد دام 40 دقيقة في عمل "تويتر" و"ويكيبيديا" و"إيه أو إل آنسنت ماسنجر" AOL Instant Messenger [شركة لتقديم خدمات الاتصال بالإنترنت في أمريكا].

ومن المستطاع المضي في استعادة شريط الكوارث، فبعضها عرضي وبعضها متعمد، ومن الشهادات عليها تعرض مقدم نظام التعرف على أسماء النطاق "دين" Dyn، إلى مجموعة من الهجمات السيبرانية عام 2016، مما أدى إلى توقف منصات على الإنترنت يستخدمها الجمهور في أوروبا وأميركا الشمالية، فيما شهدت بعض الدول شللاً تاماً في أنظمتها الرقمية، وفي بعض الأحيان كانت الحكومات سبباً في إغلاق الإنترنت ضمن محاولتها قمع احتجاجات.

ولعل الأسوأ والأقرب شبهاً إلى ما حدث مع "كراودسترايك" كان عام 2019 حينما حرفت شركة "فيرايزون" Verizon بصورة عرضية حركة مرور الإنترنت لدى مجموعة من مستخدميها مما أدى إلى حال من زيادة الحمولة على الإنترنت بفعل تدفق سيول من الرسائل الإلكترونية إلى شبكات إنترنت صغيرة، فلم تتحمل ذلك التدفق وبالتالي اختفت تلك الرسائل بكل بساطة.

والآن يمكن القول إن هذا الخلل الذي أصاب "مايكروسوفت"، والذي وُصف بأنه أخطر انقطاع في تكنولوجيا المعلومات شهده العالم على الإطلاق، هو الأكبر من حيث مدى انتشاره وتأثيره في المستوى الدولي، لكن النقطة المهمة بالتأكيد هي أننا لا نستطيع الاستمرار في السماح بحدوث ذلك، ومع الأخذ بعين الاعتبار التحسن المستمر في مستوى الاتصال بالإنترنت، فمن المؤكد أن الانقطاع التالي سيكون أضخم وأشد سوءاً.

وبالتأكيد سيستمر التقاضي أعواماً [حول تبعات العطل المعلوماتي]، وينتظر "كراودسترايك" وربما "مايكروسوفت" أيضاً فواتير ضخمة ودعاوى كبيرة، وحتى غرامات.

كل ذلك حسن وجيد، وفي أوضاع كهذه سنسعى إلى التصحيح وتحميل المسؤوليات، ولكن ذلك لن يصل بنا إلى لب المشكلة، ولم تسع "مايكروسوفت" و"كراودسترايك" إلى تركيع العالم حينما أطلقتا برنامج التحديث ذلك اليوم.

وبالطبع لا بد من إلقاء المسؤولية ودفع التعويضات على طرف ما، ولكن يتمثل الأمر الأكثر أهمية في ضرورة التفكر في امتلاك شركة واحدة كل ذلك الفائض من القوة والتأثير، وفي تلك الحال ما المستطاع فعله لتخفيف ضرر فشل آخر يشبه ذلك الذي رأيناه؟

لقد أولي اهتمام كبير للجانب المضيء من الحادثة، أي السرعة والقدرة على الوصول، مما أعطى مزيداً من الأرقام المؤثرة عن الإداء، وفي المقابل لم يجر الاهتمام بشكل كاف بالجانب السيئ وغير المثير، أي ذلك المتمثل في ما كان سيحدث لو غابت فجأة تلك السرعة وتلك القدرة على الوصول.

وكذلك يجب ألّا تُسند الإجراءات الوقائية إلى المشغلين التجاريين، وبالأحرى يُوجب على الحكومات التعاون والتدخل، ويُوجب اعتبار ما حدث الجمعة الماضي بوصفه إنذاراً، ويوجب علينا العمل وبسرعة.


نقلاً عن صحيفة إندبندنت عربية


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية